أكتوبر 2, 2007

التواطؤ على الصوم – نادر المتروك

Posted in من هنا وهناك, شؤون بحرانية في 11:41 ص بواسطة 3aneed

 

كلّما شعر أحدنا أنّ هناك تطوّراً إيجابياً في خطاب الزّعماء والخطباء الدّينيين؛ حتى يقع في مفاجأة جديدة من لون الردود العكسيّة التي تنقلنا إلى عهود بالظلام ومناطحة السّحاب والأوهام الكبرى.
ما الذي يخشاه هؤلاء فيما لو خطوا خطواتٍ عاجلة، ونهائيّة، ناحية تهديم جدار التزمّت” الحزبوي الذي يهيمن على تياراتنا الدّينية، وفتحوا ثغرة كبيرة تتسع للإطلال على الآخر الدّيني، وغير الدّيني أيضاً، اقتداءً بقيم الدّين ومقاصده الخيّرة وبمعزل عن ضغوط الانتماء والولاءات المستحدثة؟
في الحقيقة، إنّ ذلك ليس يسيراً، لأنه لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع إلا حينما يُنجَز أمران؛ الأول: إعلان اعتذار جماعي عن الأخطاء المؤلمة المتبادلة التي ضمّها تاريخ التيارات. والثاني: التأسيس على الاعتذار بحزمةِ مراجعاتٍ بنيويّة تشمل خطاب التيارات وآليات عملها. وهذا الأمران يحتاجان إلى مؤتمرٍ خاص بالتيارات الدينية، يكون بداية ختام أوجاعِ جماعاتٍ مضطهدة، وبداية إسكاتِ غرور جماعاتٍ غالبة، وبداية تخفيف معاناةِ جماعاتٍ مغلوبة على أمرها. ما تقذفه الأحداث في وجوهنا، بين مفرق وآخر، يقول إن اللقاء الحواري المباشر فيما بين الدّينيين ”المتعدّدين” ليس بالأمر الهيّن إطلاقاً، فكيف بالاعتذار والمراجعة؟ وحينما حصل مثل هذا اللقاء في مفاصل زمنية ماضية؛ فإنه لم يكن مغلّفاً بقيمة اللقاء التأسيسي، بقدر ما كان رفعاً لعتب، وتعويداً على المجاملة، وتأكيداً لعُرفِ إخفاء جوهر الأزمات وتأجيلها في المجهول.
ولقد أثبتت متوالياتُ الأيام ذلك، وسرعان ما تفجّرت خصوماتٌ جديدة من داخل الأفرع الدّينية التياريّة، وحدَثَ أنْ ضُخّ الوعي الشعبي بمجموعاتٍ مفاهيمية ”شرعية” جديدة أشعلت أخطاء الماضي وكوارثه وأحيتها من رمادها بلبوس أكثر حدةً.
وهكذا أعاد الزّعماء الدينيون حكايتهم القديمة في المحافظة على واقع التقسيمات التياريّة والمؤالبة التغالبيّة فيما بينها، وأضافوا إليها تخمة ملحقة من الذّيول الخطابيّة والسّيول القامعة.
تجربة الإفطار الجماعي التوحيدي مرّت بلا استثمار كافٍ، للعلّة المشروحة أعلاه. وبالعلّة نفسها كان الاستهتار باللقاء الحواري للقوى الوطنيّة، على نحوٍ أظهر فداحة التسيّب الخطابي وتوازناته المفقودة عند الزّعماء الدّينيين، أو قسماً كبيراً منهم. في كلّ رمضان، يُخطب الجمهور الدّيني بكلمات التزّهد والتقوى والتقارب الرّوحي، فيما تكشف سيرةُ المعاندة والمخالفة الحزبويّة أنّ هناك تواطؤاً على الصّوم الوظيفي، الذي يظلّ قيمة معلّقة في فضاء دروس الوعظ النظريّة، فيما الوقائع المنظورة من ذوي الاختصاص الدّيني تدلف في نواحٍ شتى ليس منها إنزال العبادات المعلّقة والمجمّدة.

 

صحيفة الوقت الثلاثاء 2 أكتوبر 2007م